الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الطائفة المستباحة تحت ذريعة
عبير نصر

في فضيحة لن تكون الأخيرة بالطبع، كشف ناشط (علوي) يدعى كمال رستم، قائمة بأسماء أقارب بشار أسد ممن يعيشون في قصور وفيلات، في حين يدكّ الفقر والجوع مضاجع أبناء الطائفة العلوية، التي استخدمها نظام الأسد كوقودٍ لآلة إجرامه ضد انتفاضة الشعب السوري. وتعويضهم كان لا يتعدى "سحارة برتقال" أو "ساعة حائط" في كثير من الأحيان. وفي الحقيقة لم يوفر النظام السوري إجرامه حتى على حاضنته الشعبية.

ففي عام 2015، مثلاً، أغلق المنطقة الساحلية (الآمنة نسبياً) في وجه مئات العائلات العلوية، التي هربت من قرى بسهل الغاب خوفاً من وصول جيش الفتح  إليها. وشوهدت طوابير السيارات تصطف على مسافة تزيد على خمسة كيلومترات عند أول حاجز على مدخل الجبال الساحلية، وهي تحمل العائلات الهلعة. في المقابل لم يكن الهاربون يعلمون أنّ النظام، الذي دفعوا الغالي والرخيص في سبيله، سيغلق أبوابه بوجههم، ويتركهم لمصيرهم المجهول إذا ما وصل (المسلّحون الإرهابيون) إلى قراهم.

ولنزد من الشعر بيتاً.. كانت "حركة أحرار العلويين"، وهي حركة مناهِضة للنظام السوري، قد وثّقت خسائرَ الطائفة العلوية من المقاتلين منذ عام 2012 حتى نهاية العام 2017. خسائر كبيرة تكبدتها الطائفة بعد زجّ شبابها في الحرب لحماية عائلة دموية لا يتجاوز عددها بضع مئات. وذكرت الحركة أنّ أعداد القتلى في صفوف العلويين تجاوزت الـ 133 ألفاً، فيما بلغ عدد المُعاقِين 67 ألفاً و3800 مفقوداً. لكن هذه الخسائر الفادحة في طائفة لا يتجاوز عدد أبنائها الثلاثة ملايين شخص لم تكن فيما يبدو كافية لانسلاخها عن نظام الأسد المجرم. ورغم التعويل من قبل بعض النخب السورية على حالة التململ التي تشهدها البيئة الحاضنة، إلا أنه، لا يمكن الرهان، جدياً، على أيّ حراك علوي ضاغط على الأسد، قد يطيح بعرشه المقدّس.

وبالعودة إلى بدء.. وفي حين ما زال الموالوان يدفنون فلذة أكبادهم وهم يتجرّعون غصات القهر والفقر، يعيش أقارب الأسد وحاشيته وضباط ميليشياته وتجّار الحرب المقرّبون منه حياةَ رفاهية لتحكّمهم بعمليات التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة، في ظلّ التغاضي المقصود عن جرائمهم. واستعرض كامل رستم، في تسجيلٍ مطوّل عبر صفحته الفيسبوكية، مجموعة من الصور لقصور وفيلات وبنايات ومعامل محصنة، يُمنع الاقتراب منها. تعود ملكيتها لأقارب وأبناء عمومة بشار الأسد في الساحل السوري. وقال "إنه يوجّه هذه الصور إلى الموالين الذين يموتون من الجوع والبرد والذلّ والظلم حتى تبقى هذه العائلة مع العصابة التي تتبع لها مستباحين للبلد وخيراته". وأضاف: "يمكن الغشاوة على عيونهم تنزاح ويفهموا أنهم مجرّد أرقام، وكل ما يحصل لهم من معاناة وحرمان وآلام واضطهاد هو بسبب المشروع القذر لهذه العائلة وعصابتها".

في السياق، ذكر المستشرق الهولندي (نيقولاس فاندام) أنّ بيت الأسد كانوا يسكنون أطراف القرداحة ويدعون (بيت الحسنة) لأنّ سكان المنطقة كانوا يتصدقون عليهم. لذا من الطبيعي، ومذ تبوأ حافظ الأسد سدّة الحكم، أن تبدأ العائلة كلها في الانتفاع والتوسع في السيطرة على مقاليد الجاه والثورة والسلطة، في كلّ مراكز ومفاصل الدولة. ووصل الطمع  إلى حدّ صراعات دموية، كبيرة وعميقة بينهم، كما أدت إلى إثارة الرأي العام عليهم حتى في معقلهم الرئيس في قرية القرداحة بالساحل السوري.

جدير ذكره أنه لم يكن الأسد الأب يملك بيتاً في دمشق، فاختار أرقى الأحياء في المالكي، ووقع الاختيار على بيت أحد سفراء أمريكا الجنوبية آنذاك، ولم يكن بمقدوره طرد السفير نظراً للأعراف الدبلوماسية المتبعة في العلاقات الدولية، فاقترح أحد البعثيين أن تقوم بعض الورش بصيانة الشارع المقابل لبيت السفير، وبالفعل بقيت الحفريات تعمل على مدار أيام طوال الليل حتى اضطر السفير لمغادرة المكان.

بطبيعة الحال لا توجد إحصائيات دقيقة موثقة من هيئات مالية، أو كشوفات بنكية، أو تقارير استخباراتية تفضح بالأرقام ثروة عائلة الأسد. لكن، خمسين عاماً من النزف والنهب الممنهج للاقتصاد، سيطلق العنان لتخمينات فلكية حول أصول وثروات الأسد الخرافية خارج سوريا، والتي قد تقدّر بترليونات الدولارات. فسوريا كما هو معلوم، بلد مصدّر للبترول، رفض الانضمام للأوبك، كي يبقي أرقامه، وإنتاجه، وأرباحه، بعيدة عن الرقابة والشفافية والإعلام لنصف قرن بالتمام والكمال.

ثمّة حادثة أوردها فراس رفعت الأسد، على صفحته الفيسبوكية، ويقول فيها: (خلال عزاء باسل الأسد أرسلني والدي لألتقي بشار الأسد لأقول له جملة واحدة فقط: والدي يبلغكم بأن حصتكم معه قد أصبحت 180 مليون دولار). ويكمل: (لم يهتم بشار بالرسالة أبداً، وكأنه لم يسمعها، وحتى إنه لم يجب عليها بأي شيء. وأعتقد أنه استسخف الموضوع برمته، أو أنه ربما استسخف المبلغ.. لا أدري!!). وبغض النظر عن الحادثة، وخلفياتها، وأبعادها، وتلكم قصة أخرى، فالأمر المهم هنا، هو المبلغ الهائل الـمذكور، الذي يثبت أنّ ثروة عائلة الأسد تدخل بالخانات التريليونية، وهي قادرة، دون مبالغة، لجعل سوريا من أغنى شعوب الأرض.

على صعيد آخر.. معلوم للجميع أنّ مشروع الدولة العلوية ليس جديداً في سوريا، بل سبق أن أعُلن عن دولة علوية في الساحل السوري إبان الاستعمار الفرنسي. ويُتداول نصّ وثيقة رفعها زعماء الطائفة العلوية إلى رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك "ليون بلوم" يؤكدون فيها رفضهم الالتحاق بدولة "سوريا المسلمة" خوفاً من "مصير مجهول". واللافت أنّ من بين الموقعين على الوثيقة المدعوّ سليمان الأسد، وهو جدّ بشار الأسد. رغم هذا عرفت الثورة السورية مواقف شتى تمّ تصديرها باسم الطائفة العلوية، يأتي معظمها من تسريبات تتعلق بتنصل الحاضنة من جلاّدها. كان آخرها ما قالت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إنها وثيقة سرية سربها زعماء من الطائفة يهددون فيها بالتخلي عن نظام بشار الأسد. انتشرت الوثيقة في الأوساط الإعلامية والسياسية والبحثية، وذهب البعض إلى افتراض وجود تصدع في بنية النظام الاجتماعية والأمنية والعسكرية، فيما قلّل ناشطون علويون من أهمية الوثيقة في معرض نفيهم وجود زعماء دينيين ذوي ثقلٍ جماهيري في أوساط الطائفة. مؤكدين، في المقابل، وجود أرضية لتيار علوي سياسي وديني واجتماعي مُعارض للنظام، وخصوصاً من عشائر علوية عريقة عانت الفقر والتهميش في ظل حكم الأسد الأب، وللأسف هذا التيار "يفتقد للأدوات التي تساعد على ظهوره".

من المؤكد أنّ عائلة الأسد استخدمت مع الطائفة العلوية مختلف الإغراءات والترهيبات من أجل ضمان استغلالها، وأعطتها بعض الامتيازات التي كان يمكن أن تحصل عليها في كلّ الأحوال وفي كلّ العهود. لذا لا يمكن للصراع أن يصل إلى خاتمته دون سقوط (العلوية السياسية) تماماً، كما الحرب اللبنانية ما كان يمكن أن تصل إلى خاتمتها دون سقوط (المارونية السياسية) وليس الموارنة في لبنان. ملاك القول أنه لم يكن وعي الطائفة العلوية لضرورة العصيان بالسلطة والدولة فحسب، بل مركزيتها وتمحورها حول رأس النظام الأب ثم الابن، لا بوصفه قائداً سياسياً تتحقق من خلاله عملية العصيان بالسلطة، بل باختلاط واندماج ذلك مع المعتقد الديني العلوي الذي رأى في رأس النظام قائداً يصل في درجة قداسته إلى مرتبة الألوهية.

ليفانت - عبير نصر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!